لقد كرم الله الإنسان وفضله على كثير من المخلوقات، وأمده بنِعَمْ كثيرة لا تحصيها البصائر ولا الأبصار ولا تحيط بها العقول ولا الأفهام ومهما أعمل الإنسان عقله وأجهد فكره كي يحصي نِعَمْ الله عليه فلن يستطيع إلى ذلك سبيلا.
قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل:18] ومن أعظم تلك النِعَمْ التي أنعم الله بها على الإنسان وفضَّله بها على الحيوان نِعمَة العقل تلك النِعمَة الغالية التي لا تعدلها نعمة أخرى.
لأن العقل قوام الإنسان، وميزان الشخص، وزينه المرء، وبالعقل عرف الإنسان ربه ووقف على أسرار الكون، وبالعقل أصبح الإنسان عالماً يدرك حقائق الأمور، ويعلم ما لم يكن يعلم، وبالعقل يميز الإنسان بين الخير والشر، والصالح والطالح، والنافع والضار.
ولقد رفع الإسلام من شأن العقل فجعله مناط الثواب والعقاب فعلي وجوده يكلف الإنسان ويحاسب ويثاب أو يعاقب وإذا زال عقله سقط عنه التكليف ودعا الإسلام الإنسان إلى إعمال عقله في التفكير والتدبير، والنظر والتأمل في آيات الله في الأنفس والآفاق.
قال الله عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191].
وقال عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].. ولقد وردت كلمة: عقل ونعقل وتعقلون ويعقلون ويعقل في القرآن الكريم حوالي تسع وأربعين مرة.
قال تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:75].. وقال تعالى {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10].
و قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].. وقال تعالى: {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ المُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة:164].. وقال تعالى: {أوَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العَالِمُونَ} [العنكبوت: 43].
فهذا الورد الكثير المتعدد يبرهن على مدى إهتمام القرآن الكريم بالعقل.. وهذا يتطلب من المسلم أن يحافظ على عقله وأن لا يتناول من الأشياء ما يفسده ويخل بالتفكير.
ولقد أمرنا الإسلام بحفظ العقل وصيانته ووقايته وأمرنا بتكريم تلك النعمة وهي نعمة العقل، ونهانا أن نتناول أي شيء يضر بالعقل أو يفسد التفكير، أو يؤدي إلى شلل المخ وحذرنا كل التحذير من تعاطي تلك المواد السامة كالحشيش والهروين والأفيون والكوكايين وسائر المخدرات، لأنها تدخل على العقل فتفسده وعلى التفكير فتعطله فهي من المسكرات التي حرمتها الشريعة ولم تأذن بتعاطيها.
قالت أم سلمة رضي الله عنها: نهي رسول الله عن كل مسكر ومفتر، رواه أحمد وأبو داود وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن الحشيشة حرام يجلد صاحبها كما يجلد شارب الخمر وهي أخبث من الخمر من جهة أنها تفسد العقل والمزاج، وأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وهى داخلة فيما حرمه الله ورسوله من الخمر والمسكر لفظاً ومعنى -السياسة الشرعية ص 116.
والمادة المخدرة هي كل مادة خام أو مستحضرة تحتوي على عناصر منبهة أو مسكنة من شأنها إذا إستخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية أن تؤدي إلى حالة من التعود أو الإدمان عليها مما يضر بالفرد والمجتمع جسيماً، وإجتماعيا، ونفسياً.
وهذا كما تري شامل لجميع أنواع المخدرات الموجودة والتي قد توجد بطريقة الإكتشاف أوالتصنيع وهي قسمان:
(1)= مخدرات طبيعية وهي عبارة عن نباتات وأعشاب مثل القات، والأفيون والحشيش.
(2)= مخدرات مصنوعة وهي عبارة عن مستخلصات بطريقة كيماوية ومنها الكحول والكوكايين والمورفين، الخمر وسائر المسكرات والمخدرات للدكتور حجر بن أحمد -ص 147، 148.
وإذا كانت المخدرات لها أضرارها على العقل فإن لها أضراها على صحة الإنسان والصحة نعمة من نِعَمْ الله علينا، وقد بَيَّنَ صلوات الله وسلامه عليه أن الإنسان إذا عافاه الله في بدنه كان ذلك من الأسباب التي تجعله يشعر أن الدنيا قد حيزت له.. قال صلى الله عليه وسلم «من أصبح معافى فى بدنه، آمنا فى سربه عنده قوت يومه فكأنما قد حيزت له الدنيا بحذافيرها» رواه الترمذى وابن ماجه.
وهناك قاعدة عامة في شريعة الإسلام وهي: أنه لا يحل للمسلم أن يتناول من الأطمعة والأشربة شيئاً يقتله بسرعة أو ببطء كالسم بأنواعه، أو يضره ويؤذيه، لأن المسلم ليس ملك نفسه، وإنما هو ملك دينه وأمته، وحياته وصحته وعقله، وماله وغير ذلك من نِعَمْ الله وديعة لا يحل له التفريط فيها.
قال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29].. وقال تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195].. وقال صلوات الله عليه وسلامه «لا ضرر وضرار» رواه أحمد وابن ما جه.
ونهى صلوات الله عليه وسلامه عن إضاعة المال.. ولقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أضرار المخدرات الصحية.. فالمسرفون في تعاطي المخدرات ولمدة طويلة تتدهور صحتهم ويصابون بالهزل والضعف العام وصفرة الوجه، وتقل لديهم القدرة على مقاومة الأمراض كما تتلف أسنانهم ويتعرضون للإصابة بالأمراض الصدرية وأهمها السل والربو، ويصابون بقرحة الحلق المزمنة.
ـ وهناك علاقة بين المخدرات والجرائم فإدمان المخدرات يؤدى إلى وقوع الجرائم فمتعاطي المخدرات إذا نفذ ما معه من مال فإن إدمانه على تعاطي المخدرات يحمله على السرقة ويحوله الإدمان إلى إنسان سريع التهيج شكاك، خائف جبان وهذا الخوف والجبن يدفعه إلى الهجوم والعدوان ومن ثم تقع الجرائم وتكثر الاعتداءات.
الكاتب: د. أحمد الشريف.
المصدر: موقع ياله من دين.